لقد اثارت قضيه  الذبيح أهو  إسحاق ام إسماعيل عليهما السلام الخلاف بين الفقهاء بالرغم من ان القضيه محسومه وكما بينها الله عز وجل بقوله سبحانه " وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ*رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "  [الصافات: ايه 98-102] فالذين قالو بان الذبيح هو سيدنا اسحاق فقد جانبهم التوفيق , ولكي نوضح ذلك بعيدا عن الاسرائيليات فالنتمعن ما جاء بقوله عز وجل " رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ " حيث كان دعاء سيدنا ابراهيم بعد معاناته من عذاب قومه وكفرهم بما جاء به قوله " رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ " اي ان ابراهيم عليه السلام قد طلب من الله عز وجل ان يهب له ذريه صالحه وقد يكون ذلك فردا واحد أو اكثر " مِنَ الصَّالِحِينَ " ونتيجه لهذا الدعاء بشره الله سبحانه وتعالى بغلام حليم "  فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ " ونلاحظ هنا ان سيدنا ابراهيم عندما دعا ربه عز وجل لم يكن لديه ذريه او ولد قبل ان يتزوج بهاجر التي ولدت له بِكْرِه اسماعيل او عندما كانت امرأته ساره عجوزعاقر عندما ولدت له سيدنا اسحق وكما جاء في قوله عز وجل " وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ* قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ " .

 

لذا فاننا نرى من سياق الايات ان الله عز وجل قد استجاب لدعاء سيدنا ابراهيم بان بشره عز وجل أولا بغلام حليم كقوله عز وجل " فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ " ولما كان سيدنا اسماعيل هو اول من وُلِد لسيدنا ابراهيم فمن المنطق والعقل ان يكون سيدنا اسماعيل هو "الغلام الحليم" المبشر به وليس اسحق لكون اسحق هو المولود الثاني لسيدنا ابراهيم والذي ولد بعد اربعه عشر عاما من مولد سيدنا اسماعيل .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والدليل الاخر على ان الذبيح هو اسماعيل عليه السلام وليس اسحاق عليه السلام , هوان الله جلت قدرته قد بشًر لاحقا سيدنا ابراهيم استجابه لدعائه ايضا ببشاره اخرى بان بشًره بغلام آخرنبيا ومن الصالحين الا وهو سيدنا اسحق كما جاء بقوله سبحانه " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ" [الصافات: ايه 112] ففي البشاره الاولى بشره بغلام حليم  "  فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ "  (اي غلام صابر) " قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " غلام صادق الوعد " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا " [مريم: ايه 54]،وهذه الصفات تخص سيدنا اسماعيل كقوله سبحانه " وَإسْمَاِعيْلَ وَإدْرِيسَ وَذَا الِكفْلِ كُلٌِ منَ الصَّاِبرين " [الانبياء: ايه 85]   اما البشاره الثانيه والتي اتت بعد سرد احداث البشاره الاولى فهي تخص سيدنا اسحاق حيث اننا نلاحظ ان هذه البشاره باسحاق كانت لسيدنا ابراهيم بعد مولد سيدنا اسماعيل مره " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ" ولزوجته ساره  مره اخرى كما جاء في قوله تعالى " وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ " ولو كان اسحاق عليه السلام هو الذبيح كما يدّعي اليهود واتباع بولس فكيف يأمر الله عز وجل سيدنا ابراهيم عليه السلام بذبح سيدنا اسحاق والبشارة بيعقوب تقتضي بأن يعيش اسحاق ويولد له يعقوب!!! , ونلاحظ ان البشاره الثانيه باسحق كانت لغلام " عليم " كما جاء في قوله تعالى: " قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ " [الحجر: ايه 53]  خلافا لما جاء في البشاره الاولى بسيدنا اسماعيل والذي وصفه الله تعالى فيها بالغلام " الحليم " ليرشدنا سبحانه الى ان الذبيح هو اسماعيل بكر سيدنا ابراهيم وليس اسحق ابنه الثاني.   

 

اما قول اليهود واتباع بولس من النصارى بان الذبيح هو اسحاق عليه السلام فهو قول باطل واسانيده في التوراه اسانيد محرفه وباطله ومفضوحه, فعندما تقول التوراه " وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الامُورِ انَّ اللهَ امْتَحَنَ ابْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا ابْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». * فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ اسْحَاقَ وَاذْهَبْ الَى ارْضِ الْمُرِيَّا وَاصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى احَدِ الْجِبَالِ الَّذِي اقُولُ لَكَ».(تك: اصحاح 22-1) حيث اننا نلاحظ هنا قولهم " خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ " فهل كان اسحاق هو وحيد سيدنا ابراهيم ام ان اسماعيل عليه السلام المولود لسيدنا ابراهيم قبل اسحاق باربعه عشر عاما هو وحيد سيدنا ابراهيم  الذي تقصده هذه الايات.!!! (*)

 

ولكي يحبك اليهود والنصارى التحريف في هذه الايات من سفر التكوين ادعوا ان سيدنا اسماعيل عليه السلام ابن جاريه ولا يحق له ان يرث اباه ابراهيم وبذلك يكون اسحاق هو من يرث اباه اي ان اسحاق تبعا لذلك يكون وحيد اباه وبذلك اسقطوا بنوه اسماعيل لابيه ابراهيم, وهنا نتسائل كيف اعترف اليهود ببنوه ابناء سيدنا يعقوب عليه السلام من جواري زوجاته واعترفوا بورثتهم لابوهم يعقوب بل اكثر من ذلك اعتبروهم من اسباط بني اسرائيل الاثنى عشر وكما جاء في توراتهم" فلما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب، أعطته بلهة جاريتها زوجة، فدخل عليها يعقوب، فحبلت بلهة، وولدت ليعقوب ابنًا دعت اسمه دانا (سبط) ، وولدت ابنا ثانيًا ليعقوب دعت اسمه نفتالي (سبط) * ولما رأت ليئة أنها توقفت عن الولادة أخذت زلفة جاريتها وأعطتها ليعقوب زوجة، فولدت زلفة ليعقوب ابنًا، دعت اسمه جادًا (سبط) ، وولدت ابنًا ثانيًا ليعقوب، ودعت اسمه أشير (سبط) "  (تكوين 30: 1 - 13)  وهؤلاء الابناء ورثوا سيدنا يعقوب روحيا وماديا وباعتراف اليهود واتباع بولس في توراتهم وكما اشار اليه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم " وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا "  [النساء: ايه 163]

 

وعلى ذلك فإن محاوله اليهود والنصارى حصر ميراث إبراهيم - الروحي والمادي - في ولده إسحاق وذريته مع تجريد إسماعيل وبنيه من ذلك الميراث تحقيقا لاهدافهم، إنما هو تعصُّب ممقوت من صنع البشر، وافتراء وتحريف مفضوح لما جاء في اسفار العهد القديم من نصوص ومعاني, وها هي التوراه تؤكد لنا محبه ابراهيم لابنه شرعا اسماعيل بالدعاء الى الله له  "  « ليت إسماعيل يعيش أمامك »، فاستجاب له الله وقال له: « قد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيرًا جدًّا، اثنى عشر رئيسًا يلد، وأجعله أُمة كبيرة "  (تكوين 17: 18، 20).  فكيف ينكر اليهود والنصارى بعد ذلك بان اسماعيل عليه السلام هو ابن ابراهيم البكر والوحيد قبل ان يولد سيدنا اسحاق.!!!!

 

مواضيع ذات صله: