top of page

" قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ  * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ "

 

لقد كان هنالك لبس عند البعض في فهم مده اليومين الخاصين بخلق السموات والارض تبعا للسياق القرآني وفسروا قول الله سبحانه وتعالى" قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ " [فصلت: 9-10]  بان خلق الارض وتقدير اقواتها كان في سته ايام (اي ان عدد ايام مجمل الخلق هو 8 ايام: 6 ايام لخلق الارض وما عليها ويومين لخلق السموات) وهذا تفسير خاطيء  ناتج عن استقراء خاطيء لهذه الآيات الكريمه, فاننا نرى ان سياق الايات يشير الى حدثين هما الخلق والتَقْدِيرٌ.

" قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم " [ فصلت: ايه 9-12 ]

 

الحدث الاول (الخلق) هو حدث خلق الارض والرواسي من فوقها أي من فوق الارض, والمعنى هنا لجمله " من فوقها "  يُحْمّل على شقين:

 

            المعنى الاول: هو ان يكون المقصود ب " مِن فَوْقِهَا " على سطح الارض كالجبال  كقوله تعالى " وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " وهو التفسير الذي أخذ به مجمل المفسرين من السلف او من المفسرين المحدثين , وفي اعتقادي ان هذا التفسير قد جانبه التوفيق, لانه لو كان المقصود بالرواسي في هذه الايه انها الجبال كما يقول المفسرون لاصبح اجمالي زمن خلق الارض هو سته ايام, يومين لخلق الارض وما عليها من رواسي " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ  * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا " اضافه الى اربعه ايام لخلق اقوات الارض "  وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ " اضف الى ذلك يومين آخرين لتسويه السموات الى سبعه سموات " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ "  وبذلك يكون اجمالي زمن خلق السموات والارض ان صح هذا التفسير هو 8 ايام من ايام الله سبحانه . وهذا الامر يتعارض مع ما جاء في قوله عز وجل " إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " حيث تفيد هذه الايه بان خلق السموات والارض كان في سته ايام, والغريب ان بعض المفسرين اثابهم الله قالوا في تبرير ذلك " بان لأرض خلقت في يومين.. وخلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام.. أي استغرق هو الآخر يومين.. (تداخل زمني ما بين زمن خلق الارض وخلق الاقوات)  ثم استغرق خلق السموات السبع يومين.. فكان المجموع ستة أيام من أيام الله ، سبحانه وتعالى.... انتهى" .

 

أن هذا التفسير في نظري لا يمت بصله الى ما اتت به هذه الآيات الكريمه بوضوح لا لبس فيه من ان هنالك يومين لخلق الارض وبان هنالك اربعه ايام من ايام الله سبحانه استغرقتها الارض لتقدير الاقوات فيها (لخلق ما عليها) وهذه الآيات الكريمه لا تشير باي حال الى ان هنالك تداخل زمني ما بين زمن خلق الارض وزمن تقدير الاقوات فيها لان تقدير الاقوات لا يمكن له ان يبدأ قبل تمام خلق الارض من ناحيه ومن ناحيه اخرى فان الجبال والانهار والنبات والناس هي جزأ من اقوات الارض كقوله عز وجل " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "  [فاطر/27-29] , فلذلك فان الله عز وجل عندما بدأ تلك الايات بقوله سبحانه " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ " ثم اتبعها بقوله عز وجل " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا " انما يريد ان يهدينا الى ان الرواسي التي يقصدها سبحانه هي شيء آخر غير الجبال وهو ما يوضحه المعنى الثاني الذي اجتهدت بفضل الله ان اصل اليه والذي يعالج اللبس في فهم زمن خلق السموات والارض.

 

            المعنى الثاني: نجد أنه في قوله سبحان وتعالى " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا " بان يكون المقصود بمن فوقها , اي ما علا الارض (سماء الارض) وهو المعنى الصحيح, لان الملاحظ ان الله سبحانه وتعالى عندما يريد الاشاره الى الرواسي بمعنى الجبال يؤكدها صريحه بعد قول "جعلنا (جعل) فيها أو القينا في..الارض"   ولم يرد في القرآن الكريم كلمه "رواسي" متبوعه بكلمه من "فوقها" الا في سياق هذه الايه الكريمه فقط ليرشدنا الله سبحانه وتعالى الى مدلول مكاني آخر يختلف عن المدلولات السابقه لتلك الرواسي. ولقد جاء نفس هذا المدلول (من فوق) في اماكن كثيره في القرآن الكريم كقوله سبحانه وتعالى" أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ " [النور:ايه 40], فالمقصود هنا بجمله " من فوقه " أي " ما علاه " , حيث أن الله سبحانه وتعالى قد وصف الاعمال السيئه للكافر بحال البحر العميق الذي يعلوه الموج من فوقه ويعلو الموج موج آخر من فوق الموج الاول ويعلو الجميع السحاب, طبقات من الظلمه يعلو بعضها بعضا.

 

 

ولما كانت سماء الارض (من فوقها) في حيزها الاصغر تشتمل على مجموعه اجرام سماويه (المجموعه الشمسيه) ولما كانت هذه المجموعه الشمسيه جزأ من شيء اكبر في السماء الدنيا (مجره درب اللبانه) والتي بمجملها اعطت المجموعه الشمسيه ومن ضمنها الارض الثبات والاستقرار (الرواسي) في حيزها الزمكاني نتيجه للتفاعل الثقالي بين مكوناتها, ولما كانت مجرتنا جزء من كل الكون المخلوق ومتفاعله معه,وأن مجمل ما في الكون يوازن بعضه بعضا, فبهذا يكون المقصود باليومين كما في الايه الكريمه " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ " هو اشاره الى التداخل الزماني والمكاني لخلق السموات والارض معا وهذا ما بينه سبحانه وتعالى عند قوله " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [فصلت:ايه 12] فالسماوات السبع في هذه الاية الكريمه تشتمل على السماء الدنيا بما فيها الارض, لكون الارض جزأ من السماء الدنيا وليست منفصله عنها, اي ان الارض كجزأ من السماوات وما فوقها من رواسي ممثله باجرام السماوات قد تم خلقها في يومين من الايام عند الله سبحانه,وكان الهدف بذكر اليومين في بدايه نص الآيه الكريمه قبل ذكر الاربعه ايام هو تقريع وتذكير للكافرين بحقيقه خلق الارض كجزأ من كل... بدأً , وبفضل الله عليهم بخلق النعم واقوات خلقه فيها وعليها في اربعه ايام... لاحقا, والاهم هو ان يرشدنا الله سبحانه وتعالى الى معجزه الرواسي تلك لكي نتفكر في خلق السموات والارض  كقوله عز وجل " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [آل عمران:ايه 191]  .

 

 

  •  

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ

موقع د. مهندس مأمون عبد القادر شاهين  الاعجاز القرآني برؤيا علمية متجدده

الماده العلميه في هذا الموقع هي جزأ من مقالات وكتب «د. مهندس مامون شاهين» المنشوره , لا يسمح بالاقتباس او النشر لاي من المواد او المقالات جزئيا او كليا دون ان  ينسب المقال الى «د. مهندس مامون شاهين» - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص

Last Update: April 2018

© 2012-2017 by Mamoun A. Shahin. Proudly created with Wix.com

  • Wix Facebook page
  • Wix Twitter page
  • Wix Google+ page
الرد على شبهات اهل الكتاب
الطعن في كرويه الارض في القران
قضايا فقهيه
الابتلاء والعقوبه الدنيويه
bottom of page