تمهيد: شكل الكون (shape of the universe ) هو أحد موضوعات "علم الكون الفيزيائي" ويختص بدراسة عما إذا كانت مترية الكون منبسطة أو منحنية . تحاول المناقشة العلمية التوصل الى ماهيه شكل الكون ومحاوله اثبات اي من النظريات المطروحه هي الاكثر صحه والتي تتمثل بكون ذو ثلاثة أبعاد ( كون منبسط يمكن وصفه باحداثيات مسايرة (*)) او بكون زمكاني رباعي الابعاد (كون كروي).
في بدايات القرن الحادي والعشرون, قام مسبار ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الراديوية WMAP بتسجيل الأشعة الراديوية المتبقية من الانفجار العظيم ووجدها متساوية في جميع أنحاء السماء ( الفروق في شدتها لا تزيد عن 0.004 ) . تلك النتيجة جعلت ناسا تعتقد وتخرج علينا بتصريح غريب مفاده: " تحققنا الآن أن الكون منبسطا في حدود خطأ لا يزيد عن 0.4% ", اعتمادا على نظرية شكل الكون المنبسط والتي تمثلها مترية " فريدمان-لامتر- روبرتسون- ووكر" (FLRW) (**) ، غير أن قياسات الخلفية الكونية الراديوية قد تؤيد النظرية القائلة بأن الكون منبسطا وليس منحنيا في حال ما كانت قيمه كثافه الماده في الكون متساويه وبمعامل اوميغا يساوي او اقل من 1 (Ω ≥ 1). أن اللبس والخطأ الذي وقعت فيه "ناسا" هو أنها بنت اعتقادها بأن الكون منبسط على نتيجه شق واحد من المعادله وهو نتائج مسبار ولينكسون التي اثبتت تساوي الاشعه الرادويه في جميع انحاء الكون (اي ان كثافه الماده في الكون قد تكون متساويه) وفي نفس الوقت اهملت " ناسا " الشق الاهم في المعادله وهو ان تكون قيمه كثافه الماده والطاقه
" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " [آل عمران: ايه 191]
" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [البقره: ايه 29]

(*) يتعامل الفلكيون عادة مع جزء من الزمكان في هيئة "مكانية" ثلاثيه الابعاد تسمى احداثيات مسايرة, وهي الاحداثيات التي يكون الزمن فيها ثابت عند نقطه ما, خلافا للنسبيه التي تعتبر الحدث الكوني زمكاني رباعي الابعاد ذو تأثير زماني ومكاني متغير.
(**) يطبق نموذج فريدمان-لومتر-روبرتسون-وولر (إحداثيات روبرتسون-ووكر) النظرية النسبية. ويمكن التعبير عن هذا النموذج بمعادلات فريدمان ، وهي تطرح انحناءا للكون مبنيا على ديناميكا السوائل ، بمعنى أنها تعامل المادة في الكون معاملة سائل مثالي. ومع أن النجوم و بنيات الكتلة يمكن أدخالها في نموذج إف إل آر دبليو ، إلا أن نموذج إف إل آر دبليو الخالص يستخدم فقط لتمثيل الانحناء المحلي للكون المرئي , وبافتراض آخر ، إذا أهملنا كل أشكال الطاقة المظلمة فيمكننا تعيين انحناء الكون عن طريق قياس متوسط كثافة المادة فيه ، مع افتراض أن كل المادة متوزعة بالتساوي فيه. ويؤيد هذا الافتراض المشاهدات التي تشير إلى أن الكون بصفة عامة متساوي التوزيع (على الرغم من كون توزيع المادة ليست متساوية بنسبة 100% نظرا لوجود مجرات وتجمعات مجرات فيه ، بمعنى وجود بؤر تزداد فيها المادة ) .
(***) ينتج عن النظرية النسبية ونموذج FLRW أن احداثية الكثافة " ( Omega (Ω " تنتسب إلى انحناء الفضاء . وتمثل Ω متوسط كثافة الكون مقسومة على كثافة الطاقة الحرجة ، بمعنى ان الطاقة اللازمة لكي يكون الكون ذو انحناء مقداره صفر.
(****) هوالعالم الأندلسي أبوبكر بن طفيل الذي ولد عام 1106م/500هجرية قرب غرناطة بالأندلس. وكان من أ قطاب رموز الحكمة المغربية الأندلسية حيث كان معلما لابن رشد. ويعتبر عالما من العلماء اللواحق في عصر الحضارة الإسلامية , إشتهر بقصته العلميه الفلسفية (حي بن يقظان) التي سبق ظهورها عصر النهضة بأوروبا وعصور كوبرنيق وجاليليو ونيوتن وإينشتين وديراك وهبل وغيرهم من أقطاب الفلك الحديث. والقصة رغم دلا ئها الإيمانية التأملية في منظومة الخلق والكون من خلال فكر إنسان كان يعيش متفردا في جزيرة نائية منذ أن ألقي به في اليم وهو رضيع . فاهتدي بفطرته إلي مكنونات الخلق وعظمة الخالق من خلال عقله وبصره وسمعه . كما اهتدي ببصيرته إلي الإيمان, فإلى جانب الترجمات العديدة للقصة التى نقلت إلى اللغات اللاتينية والانجليزية والهولندية والفرنسية والفارسية والقشتالية والألمانية والروسية والاسبانيه والبرتغاليه, فقد خصص دى بور لابن طفيل ست صفحات من كتابه "تاريخ الفلسفة فى الإسلام " الذى ترجم إلى العربية فى عام 1938.
يحدثنا ابن طفيل في سياق قصته الفلسفيه هذه والتي تعتبر من اوائل قصص الخيال العلمي والمسماه " حي بني يقظان" عن البعد الثالث بالكون وسماه الأقطار الثلاثة بالسماء وحددها بالطول والعرض والعمق, وكان يعتقد أن هذه الابعاد ممتدة إلي ما لانهاية بسبب كرويه الكون, الذي اشار اليه بقوله: "جسما لانهاية له باطل لأن الفلك (الكون) في ابعاده الثلاث سيكون على شكل كرة ", وهذا ما أطلق عليه إينشتين فيما بعد التقوس الكوني وانحنائه حيث إعتبر الكون كتلة متقوسة , سماها ابن طفيل كرة وبفضاء متسع يتمدد فيها, وكل مايقاس فيه يتم من داخل وجودنا به ورغم هذا لانري حافته أو حدوده (بسبب الانحناء) . والعلماء حتي الآن لايعرفون مركز تمدده .
وكان ابن طفيل اول عالم في التاريخ بحث في تمدد الكون وطبيعه هذا التمدد متسائلا هل السماء متمددة إلي غير نهاية ؟,أم هي متناهية ومحدودة بحدود تتقطع عندها ولايمكن أن يكون وراءها شيء من الإمتداد ؟ (ما بعد بناء السماء)... وكانت نظرية التمدد الكوني ثورة فلكية عندما طالعنا بها إدوين هبل عام 1920, لأنها قلبت مفهوم العلم عن الكون إلا أن ابن طفيل سبقه فيها بثمانية قرون عندما أشار إليها موثقه, فلقد حدثنا عن (التمدد الكوني ) وإنتفاخ الكون قائلا: "إن الأجسام السماوية تتحرك حول الوسط بالمكان (الفضاء) ولو تحركت في الوضع (المركز) علي نفسها لأصبحت كروية الشكل.
وكان ابن طفيل اول من تكلم عن النسيج الكوني وعن ترابط ووحده منظومة الكون قائلا: "إن الكون بمجمله وما يحتوي عليه من ضروب الأفلاك شيء واحد متصل ببعضه بعض (النسيج الكوني) كشخص واحد . كما حدثنا عن بدايه نشوء الكون قائلا : "أن العالم (الكون) لايمكن أن يخرج إلي الوجود بنفسه ولابد له من فاعل (محدث) يخرجه من عدمه". وكان العدم والوجود من الأمور المثارة في علم الكلام ولاسيما لدي المعتزلة بالعصر العباسي حيث كانوا يبحثون في مسألة الخلق والقدم والحداثة للكون .
وفي حديثه عن التناسق الكوني نرى ابن طفيل يقول: "أن الكواكب والأفلاك كلها منتظمة الحركات جارية على نسق متشابه كوحده تشهد للخالق". كما حدثنا عن المادة المضادة في الكون قائلا: "وأن أكثر هذه الأجسام في العالم (الكون) مختلطة ومركبة من أشياء "متضادة" ولذلك تؤول إلي الفساد بعضها ببعض (الفناء المتبادل) ". وإذا كان إينشتين وغيره من العلماء قد ظلوا في حيره حول تعريفهم للزمان ككل شاملا حدث ما قبل الانفجار العظيم وقصروه علي زمن عمر الكون منذ الإنفجار العظيم... فاننا نجد ان ابن طفيل يقول عن ذلك : "هل هو شيء حدث بعد إن لم يكن وخرج إلي الوجود بعد العدم ؟. أو هو شيء كان موجودا فيما سلف ولم يسبقه العدم" .
كان لابن طفيل السبق على كل علماء القرن التاسع عشر وما قبله وما بعده في استنتاجاته عن الجاذبية الكونية والإنتفاخ الكوني والجينات والإنكسار الضوئي والمادة المظلمة بالكون وتكوير الأرض والشمس والقمر وغيرها من الامور العلميه, والتي فصلها بإستفاضة في سياق قصته الفلسفيه" حي بني يقظان" والتي سبق بها غيره من رواه الخيال العلمي الحديث مثل فيرن و كلارك وأسحق عظيموف .
(5) يقصد بحقبة عودة التأين في نظرية الانفجار العظيم بالفترة الزمنية التي تأينت فيه المادة (الهيدروجين) مرة ثانية قبل أن يصبح الكون شفافا للضوء المرئي. يعد طور ارتباط الإلكترونات والبروتونات نحو 300.000 سنة بعد الانفجار العظيم هو حقبة الارتباط الأولى حيث انخفضت درجة حرارة الكون خلالها إلى نحو 3000 كلفن مما جعل الهيدروجين يتكون من إلكترونات و بروتونات ، فأصبحت ذرات الهيدروجين متعادلة كهربائيا, وكان معدل تكون الهيدروجين المتعادل أكبر من معدل تأين ذراته. ونظرا لأن الإلكترونات في الهيدروجين المتعادل (وأيضا في عناصر أخرى) يستطيع امتصاص طاقة في هيئة فوتونات فيصبح مثارا, فإن الكون كان آنذاك معتما لبعض أطوال الموجات الضوئية التي تتسبب في إثارة الذرات .
كرويه الكون
في الكون Density Parameter " Ω " تساوي او اقل من القيمة (1) ( Omega (Ω (***) لكي تتم اركان المعادله ويكون استنتاجها صحيحا, لكن القياسات الأخيرة لـ WMAP تقول أن Ω تساوي 1.02 ! أي أكبر من واحد ! وبذلك يكون شكل الكون كروي مغلق في مجمله وليس كونا منبسطا.
أن كافة محاولات معرفة شكل الكون تصطدم باستحالة تحديد شكله بمشاهدته فقط من داخله سواء بالمشاهده المباشره ام عن طريق الاقمار الصنعيه او المجسات الفضائيه, وهكذا، فقد مر على تعريف شكل الكون مراحل تاريخيه بدأ بالكون ذي الإثني عشر وجهاً منتظما لأفلاطون، ومرورا بكرة أرسطو، وبالأجسام ذوات الأوجه الخسمة المنتظمة القائمة في كرة كبلر، وبالفضاء الإقليدي لنيوتن وليبنتيز، والفضاء الكروي لابن طفيل الاندلسي (****) , وأخيراً بفضاء رباعي الأبعاد لأينشتين, الذي ترتكز هندسته على توزع الكتل فيه, أما اليوم فإن الأبحاث الرياضية والفيزيائية تلعب دوراً كبيراً في تعديل الكثير من وجهات نظر العلماء حول ما يمكن أن يكون عليه شكل الكون, فنحن نعرف أن الجاذبية القويه تحكم حركات جميع الماده في الكون كالنجوم والمجرات والحشود المجرية والماده المظلمه... وما الى ذلك من ماده وطاقه في الكون المدرك.
اضافه الى الجاذبيه القويه, فان نظريه " الكينونه " للمؤلف تفترض أن الجاذبية بشقيها الايجابي (التآثر الثقالي التفاعلي ما بين المجرات وبعضها البعض من جهه وبين النجوم والكواكب من جهه أخرى ) والسلبي (التآثر ذو الاتجاه العكسي الناتج عن الطاقه والماده المظلمه والذي يدفع بماده الكون للتمدد) هي الوحيدة التي تحكم بنية الكون على مستواه الأكبر, وهي فرضية ترتكز علىبعض ما جاء في النظرية الأكثر ثباتاً اليوم في الفيزياء وهي نظرية النسبية العامة لأينيشتين والتي تُعرِّف الجاذبية على أنها انحناء و تشكُّل في بناء النسيج الهندسي الكوني الذي تنشئه المادة في محيطها, وبذلك يُعرَّف نموذج الكون الحديث والاكثر قبولا طبقا للنسبيه على أنه فضاء منحني من أربعة أبعاد يسمى "الزمكان", وهو فضاء كروي غير أقليدي أي غير مسطح, ولمطابقة الفضاء اللاإقليدي لريمن على النموذج الجاذبي للكون لا بد من أن تكون الخصائص الهندسية والفيزيائية هي نفسها في كل النقاط وفي نفس اللحظة وفي كل اتجاه حول كل نقطة من الكون, وهذا يعني أن يكون الكون متجانس ومتناظر في مادته وطاقته وشكله.
الكون من المنظور الاسلامي
أن نظريه كرويه الكون هي الاكثر قبولا لدى غالبيه العلماء حديثا لكونها الاكثر دقه وشمولا في تفسير اغلب الظواهر والتسائلات العلميه المثاره في "علم الكون الفيزيائي", فالكون طبقا لنظريه "الكينونه" ابتدأ بالانتفاخ منذ نهايه الثانيه الاولى التي تلت الانفجار العظيم بتأثير كلا من القوى الموحده قبل تمايزها من جهه والماده والطاقه المظلمه من جهه أخرى, وعند مرحله تمايز القوى الكونيه الاربعه ابتدأ الانتفاخ يأخذ شكله الكروي بتأثير الجاذبيه الشديده على الزمكان (الانحناء) وبتأثير الجاذبيه العكسيه المتوازنه للماده والطاقه المظلمه على الماده المتجانسه التوزيع في الكون الناشيء, وعند مرحله عودة التأين (مرحلة تغير الطور الثانية) (5) , حوالي 150 مليون سنة إلى 1 مليار سنة وعندما كان الكون يغلب عليه سدم بلازما الهيدرجين المتأين ( الدخان) ابتدأ نشوء المجرات ومن ضمنها مجره درب اللبانه بما فيها الارض ومجموعتها الشمسيه, وأبتدأ تنمذج وتسويه الكون الناشيء الى سبعه مستويات كرويه متداخله كقوله تعالى: " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [فصلت:ايه 11-12] وهذه المستويات تبدأ ترتيبا بالكون المدرك (السماء الدنيا) وتنتهي بالسماء السابعه مشكله معاً الوجود بأكمله ومتصله فيما بينها بمنافذ تيكونيه و بشبكه من مسارات من الطاقه التفاعليه (كتدفق جسيمات الماده المظلمه والجاذبية بانواعها بين سماء وسماء أخرى) والتي تملىء المسافات ما بين سماء والسماء التي تليها, وهذه المسافات ما بين السماء والسماء ألاخرى تكون بكثف (سمك) يقدر بحوالي 500 مليون سنه ضوئيه طبقا لحسابات "للكينونه".

السماء السابعه
السماء السادسه
السماء الخامسه
السماء الرابعه
السماء الثالثه
السماء الثانيه
السماء الدنيا
تتنبأ نظريه " الكينونه " وخلافا لنظريه "العوالم المتوازية "Parallel Universes (*) , بان الكون بمجمله يتكون من سبعه سماوات (اكوان) ذات انتفاخات كرويه متداخله وان بناء كل سماء يتموضع على سطح تلك الانتفاخات , وان هندسه بناء كل سماء يعبرعن انعكاس كمومي للسماء التي قبلها بقيمه زمكانيه مختلفه, اي ان السماء الثانيه مثلا, ما هي الا انعكاس كمومي لكون متناسق رياضياً ومختلف عن السماء الاولى في طبيعته الفيزيائيه والزمكانيه بالغالب...وهكذا دواليك بالنسبه لباقي السموات, اي ان بناء كل سماء ما هو الا تراكب كمومي للسماء التي قبله متناسق رياضيا ومتميزا عن بناء السماوات الاخري فيزيائيا وزمكانيا, اي انه يخضع لقوانينه الفيزيائيه والزمكانيه الخاصه به دون السموات الاخرى كقوله سبحانه وتعالى : " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [فصلت: ايه 12]. حيث اننا نلاحظ في هذه الايه الكريمه ان الله سبحانه وتعالى وبعد ان قضى بان تكون السماء التي بدأ عندها نشوء الكون سبعه سماوات طباقا كقوله سبحانه : " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا " [الملك: ايه 3] قد مايز سبحانه بين سماء وأخرى بان اوحى سبحانه " في" كل سماء امرها اي انه سبحانه قد الهم كل سماء بما استنه لها من قوانين وخَلْق تنفرد به عن السماوات الاخرى.
ورغما عن تمايز كل سماء عن الاخرى بما أوحي اليها فلقد رُبطت هذه السماوات بعضها مع بعض عن طريق شبكه طرق من النسيج الكوني المكون من الطاقه والماده المظلمه كمسارات وروابط كونيه كما بينه لنا سبحانه وتعالى في قوله عز وجل : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ " [المؤمنون: ايه 17], اضافه الى ربطها معا كبناء واحد شديد القوه وكما اشار اليه سبحانه بقوله عز وجل: " وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا " [النبأ: ايه 12] , فلقد اعطى هذا التمايز لكل سماء دورها الوظيفي الخاص بها في مجمل الكون المحكم البناء والمعجز الخلق .
وكما قلنا سابقا بان هندسه بناء كل سماء يعبرعن انعكاس كمومي للسماء الدنيا التي بدأ عندها الخلق وهذه الصوره الكموميه لكل سماء جعلت كل سماء تتطوربالتوازي مع السموات الاخرى وبنفس الحدث الكوني, حيث سيقابل أي حدث كوني في السماء الدنيا حدث مماثل له في السماوات الاخرى وفي نفس الزمكان بالنسبه لتلك السماء, وهذا يعني, ان يكون هنالك في كل سماء من السماوات السته نسخه لاي حدث كوني في السماء الدنيا, فحالما بدأ نشوء مجره كمجرتنا "مجره درب اللبانه" في السماء الدنيا فمن المتوقع طبقا لما تتنيأ به نظريه "للكينونه" ان يبدأ نشوء مجرات أخرى مثل "مجره درب اللبانه" في السموات ألاخرى وفي أزمنه مكانيه تخص تلك السماوات, وان يكون في كل سماء ارضا مثل ارضنا كما اشار اليه سبحانه وتعالى : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا " [الطلاق: ايه 12] , فالاشاره القرآنيه في هذه الايه الكريمه " وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ" تُبين ان الله سبحانه وتعالى يريد ان يرشدنا الى طبيعه ونوعيه الخلق في كل سماء والذي تلا مرحله الاستواء, أذ انه سبحانه وتعالى عندما اشار الى خلق ارضا كارضنا بعدد مماثل لعدد السماوات, فهذا يعني ان هذا الخلق (الارض), لا بد ان يشتمل اضافه الى الارض, مجموعتنا الشمسيه لكون الارض جزء منها ويشتمل على مجرتنا التي تحتضن تلك المجموعه الشمسيه وعلى مكونات السماء الدنيا ككل والتي تحتضن تلك المجره, وهو المقصود طبقا " للكينونه " بان السماوات الست الاخرى تشكلت كصوره مطابقه للحاله التي كانت عليها السماء الدنيا عند حدث الاستواء, حيث سيتطورنشوء بناء كل سماء بصوره مشابه لتطور السماوات الاخرى خلقا من بعد خلق وبطبيعه فيزيائيه وزمكانيه تخص كل سماء, والله تعالى اهلم واهدى.
المسلمون سبقوا اينشتاين وعلماء الغرب في فهم الكون
وبدايه نشأته وتمدده وتركيبه وكرويته
كان المسلمون اول من اشار الى كرويه الكون وانحناءه وتمدده اضافه الى وجود الماده المظلمه ومضاد الماده فيه فها هو ابن طفيل العالم الاندلسي المسلم الفذ (**), يحدثنا في سياق قصته الفلسفيه والتي تعتبر من اوائل قصص الخيال العلمي والمسماه " حي بني يقظان" (1) عن البعد الثالث بالكون وسماه الأقطار الثلاثة بالسماء وحددها بالطول والعرض والعمق, وكان يعتقد أن هذه الابعاد ممتدة إلي ما لانهاية بسبب كرويه الكون الذي اشار اليه بقوله: "جسما لانهاية له باطل لأن الفلك (الكون) في ابعاده الثلاث علي شكل كرة ", وهذا ما أطلق عليه إينشتين فيما بعد التقوس الكوني وانحنائه حيث إعتبر الكون كتلة متقوسة , سماها ابن طفيل كرة وبفضاء متسع يتمدد فيها, وكل مايقاس فيه يتم من داخل وجودنا به ورغم هذا لانري حافته أو حدوده .
(1) حي بني يقظان: أسطورة عربية تحكي قصة شخص يدعى حي بن يقظان نشأ في جزيرة وحده، وترمز للإنسان، وعلاقته بالكون والدين، كما تحتوي على العديد من القصص والأساطير الفرعية، أنشأها فلاسفة، واحتوت مضامين فلسفية. أول منشيء لقصة حي بن يقظان هو الفيلسوف ابن سينا، وفعل ذلك أثناء سجنه، ثم أعاد بناءها شهاب الدين السهروردي، وبعدها كتبها الفيلسوف العربي الأندلسي ابن طفيل، ثم كانت آخر رواية للقصة من قبل ابن النفيس الذي تنبه إلى بعض المضامين الأصلية الخاصة بابن سينا، والتي لم تكن توافق مذهبه، فأعاد صياغتها لتكون رواية حي بن يقظان عن صالح بن كامل. أشهر مؤلف من بين هؤلاء الأربعة التصقت القصة باسمه هو ابن طفيل. و من شهرة هذه الرواية الفلسفية، فإن قصصا غربية مثل قصة روبنسون كروزو و طرزان قد استوحيت من هذه القصة.
(*) في نهاية العام 2008 ظهر إكتشاف جديد قلب تفكير الكثير من العلماء, الاكتشاف تم في جامعة مينيسوتا الامريكية من قبل فريق من العلماء بعد تحليل كم هائل من البيانات التي أرسلها القمر الصنعي wmap " Wilkinson Microwave Anisotropy Probe" فمن خلال مسح لمختلف زوايا الكون تبين للعلماء وجود مساحة كبيرة جدا خالية من أي نجم أو كوكب أو ما يسمى void هذا الفضاء يعادل حجمه حجم مجرتنا بآلاف المرات, النظريات الحالية عجزت عن تفسير هذا الامر و لم يجد العلماء له تفسيرا إلا تصور جديد و هو ما بينته البرفسور Laura Mersini-Houghton من جامعة "نورث كارولاينا" الامريكية و أيده البرفسور الامريكي من أصل سويدي Max Tegmark ذلك التصور هو وجود عوالم وليس عالما واحدا ووضحه أكثر أحد أشهر علماء الكونيات العالم الامريكي من أصل ياباني Michio Kaku عندما قال: "إنه علينا أن نرمي كل كتب الدراسة الحالية المتعلقة بهذا العالم أو ما يسمى بالانجليزية Universe لأن عالمنا هذا هو في الواقع مجموعة من العوالم أو Multiverse " حيث أطلق على هذا المفهوم الجديد اسم "العوالم المتوازية" Parallel Universes
(**) هوالعالم الأندلسي أبوبكر بن طفيل الذي ولد عام 1106م/500هجرية قرب غرناطة بالأندلس.وكان من أ قطاب رموز الحكمة المغربية الأندلسية حيث كان معلما لابن رشد.ويعتبر عالما من العلماء اللواحق في عصر الحضارة الإسلامية , إشتهر بقصته الفلسفية (حي بن يقظان) التي سبق ظهورها عصر النهضة بأوروبا وعصور كوبرنيق وجاليليو ونيوتن وإينشتين وديراك وهبل وغيرهم من أقطاب الفلك الحديث. والقصة رغم دلا ئها الإيمانية التأملية في منظومة الخلق والكون من خلال فكر إنسان كان يعيش متفردا في جزيرة نائية منذ أن ألقي به في اليم وهو رضيع . فاهتدي بفطرته إلي مكنونات الخلق وعظمة الخالق من خلال عقله وبصره وسمعه . كما اهتدي ببصيرته إلي الإيمان, فإلى جانب الترجمات العديدة للقصة التى نقلت إلى اللغات اللاتينية والانجليزية والهولندية والفرنسية والفارسية والقشتالية والألمانية والروسية والاسبانيه والبرتغاليه, فقد خصص دى بور لابن طفيل ست صفحات من كتابه "تاريخ الفلسفة فى الإسلام " الذى ترجم إلى العربية فى عام 1938.
(***) مفكر وعالم أميركي من أصل روسي. أحد ابرز كتاب الخيال العلمي و تبسيط العلوم. ويعد أحد أهم ثلاثة كتاب خيال علمي في القرن العشرين (مع روبرت هاينلاين وآرثر سي). حاصل على الدكتوراه في الكيمياء. ينسب إليه ابتكار ما بات يعرف بـ " "قوانين الروبوت الثلاث" التي تعدت نطاق الأدب لتؤسس قواعد علم الروبوتات, له اسلوب رائع في الكتابة و عقلية رائعة في التحليل والتبسيط والشمولية, عمل في اكثر من جامعة, كان له في جامعة بوسطن منذ عام 1965، صناديق عددها 646 من الاوراق الشخصية المؤرشفة يقارب ارتفاعها 71 مترا, مجموع ما كتب يصل الى حوالي 500 كتابا و 90,000 مقالا, تشمل موضوعاته: الكيمياء، الفيزياء، الفضاء، النسبية، التاريخ، شرح الإنجيل، والخيال العلمي. مثلت له -و اعيدت- الكثير من الأفلام آخرها "ربوط".

وكان ابن طفيل اول عالم في التاريخ بحث في " تمدد الكون " وطبيعه هذا التمدد متسائلا هل السماء متمددة إلي غير نهاية ؟,أم هي متناهية ومحدودة بحدود تتقطع عندها ولايمكن أن يكون وراءها شيء من الإمتداد ؟ (ما بعد السماء الدنيا)... وكانت نظرية التمدد الكوني ثورة فلكية عندما طالعنا بها إدوين هبل عام 1920, لأنها قلبت مفهوم العلم عن الكون إلا أن ابن طفيل سبقه فيها بثمانية قرون عندما أشار إليها موثقه, فلقد حدثنا عن (التمدد الكوني ) وإنتفاخ الكون قائلا: "إن الأجسام السماوية تتحرك حول الوسط بالمكان (الفضاء) ولو تحركت في الوضع (المركز) علي نفسها لأصبحت كروية الشكل."
كما كان ابن طفيل اول من تكلم عن "النسيج الكوني" وعن ترابط ووحده منظومة الكون قائلا: "إن الفلك (الكون) بمجمله وما يحتوي عليه من ضروب الأفلاك شيء واحد متصل ببعضه البعض (النسيج الكوني) كشخص واحد " كما حدثنا عن بدايه نشوء الكون قائلا : " أن العالم (الكون) لايمكن أن يخرج إلي الوجود بنفسه ولابد له من فاعل (محدث) يخرجه من عدمه ". وكان العدم والوجود من الأمور المثارة في " علم الكلام " ولاسيما لدي المعتزلة بالعصر العباسي حيث كانوا يبحثون في مسألة الخلق والقدم والحداثة للكون .
وفي حديثه عن التناسق الكوني نرى ابن طفيل يقول: " أن الكواكب والأفلاك كلها منتظمة الحركات جارية على نسق متشابه كوحده تشهد للخالق". كما حدثنا عن المادة المضادة والنظائر في الكون قائلا: " وأن أكثر الأجسام والمواد في العالم (الكون) مختلطة التماثل (النظائر),وهي مركبة من أشياء "متضادة" ولذلك كانت تؤول إلي الفساد والهلاك (الفناء المتبادل) ".
وإذا كان إينشتين وغيره من العلماء قد ظلوا في حيره حول تعريفهم للزمان ككل شاملا حدث ما قبل الانفجار العظيم وقصروه علي زمن عمر الكون منذ الإنفجار العظيم... فاننا نجد ان ابن طفيل يقول عن ذلك : "هل هو شيء حدث بعد إن لم يكن وخرج إلي الوجود بعد العدم ؟. أ و هو شيء كان موجودا فيما سلف ولم يسبقه العدم" . ولقد كان لابن طفيل السبق على كل علماء القرن التاسع عشر وما قبله وما بعده في استنتاجاته عن الجاذبية الكونية والإنتفاخ الكوني والجينات والإنكسار الضوئي والمادة المظلمة بالكون وتكوير الأرض والشمس والقمر وغيرها من الامور العلميه, والتي شرحها بإستفاضة في سياق قصته الفلسفيه" حي بني يقظان" والتي سبق بها غيره من رواه الخيال العلمي الحديث مثل فيرن و كلارك وأسحق عظيموف (***) .
موقع د. مهندس مأمون عبد القادر شاهين الاعجاز القرآني برؤيا علمية متجدده

Email: mshahin@digimeters.com
الماده العلميه في هذا الموقع هي جزأ من مقالات وكتب «د. مهندس مامون شاهين» المنشوره , لا يسمح بالاقتباس او ا لنشر لاي من المواد او المقالات جزئيا او كليا دون ان ينسب المقال الى «د. مهندس مامون شاهين» - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص
Last Update: April 2018
© 2012-2017 by Mamoun A. Shahin. Proudly created with Wix.com