لقد اثارت قصه الاسراء والمعراج برسولنا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله زوبعه من النقض والتشكيك من قبل المسيحيون من اتباع بولص و من قبل الملاحده والكفار وممن من يصفون نفسهم بالمفكرين لكونها معجزه لا يتقبلها عقلهم القاصر وهو ما حصل عند مشركي مكه عندما اخبرهم محمد عليه الصلاه والسلام بذلك في حينه , عندها وصف لهم رسول الله بيت المقدس وصفا دقيقا معجزا وهو الذي لم يزرها في حياته قط لا قبل الاسراء ولا بعده وهو ما تعلمه قريش علم اليقين .......للمزيد من المعلومات عن حدث الاسراء والمعراج ... الرابط هنا....  . وسنرد فيما يلي بعون الله على تلك الشبهات والشكوك التي اثيرت حول هذا الحدث المعجز .

 

1.  الطعن بحدث الاسراء: القول من بعض المسيحيون من اتباع بولص ومن من يصفون نفسهم بالمفكرين والمستشرقون, بان المسجد الاقصى لم يكن موجودا عندما اسري بمحمد من المسجد الحرام الى بيت المقدس وبذلك يكون ما اشارت اليه الآيه الكريمه غير صحيحا وبالتالي فان ما جاء به القرآن غير صحيح... وسنرد على هذا القول بما يلي  :

 

 اولا: يجب ان نفهم ما معنى كلمه " مسجد " : فالمسجد اسم مكان من " سجَدَ "  وهو مُصلَّى (مكان الصلاه) الجماعة ، اي  المكان الذي يصلّي الناس فيه جماعة لله سبحانه وتعالى وهو بيت الله كما جاء في مزامير داوود :"بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ" (سفر المزامير 93: 5) وهو بيت السجود لله  كما جاء في المزامير ايضا: " قُدَّامَ الآلِهَةِ (الملائكة) أُرَنِّمُ لَكَ. أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ، وَأَحْمَدُ اسْمَكَ عَلَى رَحْمَتِكَ وَحَقِّكَ" (سفر المزامير 138: 1، 2) , وهو هيكل الرب (1) وكانت الكعبه أول بيت بني لله على الارض كقوله سبحانه " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ (*) لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " (آل عمران: 96) , وكما جاء في قوله عز وجل واصفا المساجد " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" (النور: 36 ), إذن فبيت الله يسمى "مسجدا" عند اليهود وعند الاسلام وقد يسمى ايضا " بيت العباده أو الهيكل " (بيت اللأله) (1)  , اما كلمه "معبد" فلم تستخدم عند اليهود ولم يأت لها ذكر بالتوراه كونها مرتبطه بعباده الاوثان عند الشعوب الاخرى, اما كلمه " كنيسه " (**)  فهي تسميه من اختراع  بولص : " هذا اكتبه اليك راجيا ان آتي اليك عن قريب ولكن ان كنت ابطىء فلكي تعلم كيف يجب ان تتصرف في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته." (تيموثاوُسَ الأولَى ‪3:14-15‬)  ولا تعكس هذه التسميه او مفهومها المعنى الذي يقصده اليهود او المسلمين عن "بيت الرب" أو "بيت الله" كمساجد لله (تستخدم للسجود) .

 

ثانيا: ان أول بيت وضع لعباده الله صلاه ومسجدا على الارض كان في مكه (اسمها بكه منذ زمن آدم, واسمها بكه في التوراه (***) ) والذي رفع قواعده واعاد بناءه سيدنا ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام كما جاء في قوله عز وجل : " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " (‏ البقرة‏:127-128) .

 

ثالثا: خلافا لما يدعيه اليهود بان الهيكل (هيكل سليمان) قد تأسس بناءه من النبي داوود والذي قام ببناءه هو سيدنا سليمان فان المرجح ان الذي اسس لبناءه كمذبح (محرقه للرب) لله هو سيدنا ابراهيم وبعد اربعين سنه من اعاده بناء الكعبه والذي احيا عمل ابراهيم هذا هو حفيده يعقوب وكما جاء في التوراه: " ثُمَّ أَفَاقَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقّاً إِنَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!» * وَاعْتَرَاهُ خَوْفٌ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا سِوَى بَيْتِ اللهِ وَهَذَا هُوَ بَابُ السَّمَاءِ».* ثُمَّ بَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ، وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي تَوَسَّدَهُ وَنَصَبَهُ عَمُوداً وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتاً، * وَدَعَا الْمَكَانَ «بَيْتَ إِيلَ» (وَمَعْنَاهُ: بَيْتُ اللهِ)   ..(سفر التكوين 25/10: 22) , لذا فان المذبح هذا اصبح بيت ومسجدا لله على يد سليمان الذي صلى فيه ساجدا شكرا لله: " وصلى سليمان صلاة طويلة ساجدا للرب إله السماء" ،  (ملوك 8: 23)

 

رابعا: من هنا نرى ان الله عز وجل قد اسرى بعبده محمد بن عبد الله (حفيد ابراهيم)  من بيت الله (عند المسجد الحرام) الذي رفع قواعده سيدنا ابراهيم الى بيت الله الابعد (المسجد ألاقص أو الهيكل أو بيت الرب) الذي اسس له سيدنا ابراهيم ايضا وما التسميات المختلفه لبيوت الله (بيت الرب) تلك كالهيكل أو المسجد ما هي الا تسميات تعكس نفس المعنى ونفس الهدف والاصح تعبيرا من جميع هذه التسميات  هو " المسجد " كما وصفه الله عز وجل في القرآن الكريم : " إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ " ( التوبه: 9) , لان العباده والصلاه في " بيت الرب " عمادها واساسها السجود لله كما هوعند اليهود : " لك يا رب ينبغي السجود " (سفر باروخ 6: 5)  " وصلى سليمان صلاة طويلة ساجدا للرب إله السماء" ، (ملوك 8: 23) وعندما طلب الشيطان من يسوع أن يخر ويسجد له ، انتهره قائلاً : " اذهب يا شيطان . لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " (مت4: 10 ) (وهو الامر الذي لم يلتزم به اتباع بولص في صلاتهم وعبادتهم ).

 

خامسا: أن الهيكل كان غير موجودا عندما أُسْرِيَ بسيدنا محمد من مكه الى بيت المقدس بسبب حرقه وتدميره من قبل الحاكم الروماني تيطس وبالتالي فأننا نجد ان الله عز وجل قد اشار اليه باسم  " المسجد الاقصى " كما في قوله سبحانه "  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (الاسراء: 1)  بدلا عن ان يشير عز وجل اليه باسم "بيت الرب" أو "الهيكل" لان الهيكل كان غير موجود اصلا عند حدوث معجزه الاسراء , ومن المفارقات العجيبه ان الخليفه الاموي عبد الملك بن مروان قام ببناء مسجدا في هذه البقعه المباركه وسماه " بالمسجد الاقصى " وبعد اكثر من سبعون عام على حدث الاسراء  وهذا الامر يعد اعجاز يُشهَد به لهذا القرآن الكريم انه كلام الله المنزل على نبيه محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله.