
حديث خلق آدم عليه السلام
عن أبي موسى الاشعري
قال الحبيب المصطفى عليه الصلاه والسلام : « إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك ».
حديث حسن صحيح متفق عليه
ان التخبط في فهم قصه خلق الانسان العاقل وخلق سيدنا آدم عليه السلام والخلط بينهما لدى علماء الأنثروبولوجيا (علم الانسان) كان ناتج عن عاملين رئيسيين:
العامل الاول: عدم الايمان بوجود خالق مدبر يعزى اليه الخلق بمجمله وهو ما حذا بدارون الى الخروج علينا بنظريته في التطور والتي حاول فيها الايحاء بان الخلق بمجمله ومنه سيدنا آدم تطور من خلايا شبه عضويه استمرت تطورها ملايين السنين ليتفرع منها فروع عديده من الكائنات الحيه كالرخويات والقشريات وصولا الى المملكه النباتيه والمملكه الحيوانيه والتي كان على رأسها القرده والانسان العاقل والذي كان الانسان الحديث (آدم) امتدادا لنسله كما ادعى دارون, لقد بنى دارون نظريته على اساس التشابه في التشريح الفسيولوجي والتركيب الجيني لدى الكائنات الحيه لكل مملكه, ففي المملكه النباتيه مثلا يتشابه التركيب الفسيولوجي (جذور, ساق واوراق) وطريقه التمثيل الغذائي وما الى ذلك لاحياء هذه المملكه, ورغم ان دارون بتفسيره الخاطيء لظاهره وحده آليه التطور في الكائنات الحيه لتشابه تلك اللآليات, فلقد عجز دارون على اثبات ان تطور الانسان الاول كان امتداد لسلاله القرده كمخلوقات تشابه الانسان الاول تشريحيا, الا ان نظريته قد لاقت الاستحسان عند اغلب العلماء في تلك الفتره لانها كانت تلبي نظرتهم الالحاديه بعدم وجود خالق مبدع, حتى تبين مع مرور الوقت سقوط هذه النظريه لتعارضها مع الحقائق العلميه المثبته وخصوصا في ما يختص مبدأ الاصطفاء الطبيعي والذي لم يحدد لنا دارون كيفيته وبأن وحده آليات التطور وتشابهها لدى تلك الكائنات يقود الى وجود الخالق المدبر الذي قدر وهدى تلك الكائنات لتلك الآليات وقبل تطورها.
العامل الثاني: الاعتقاد بان آدم عليه السلام كان قد تطور امتدادا للانسان العاقل كسلف شامل أخير, هو اعتقاد قد تبين خطئه نتيجه الى الشواهد المثبته من الأحافير التي عثر عليها في انحاء مختلفه من العالم اضافه الى ان خريطه التواجد الزمني للانسان العاقل على الارض تضحض هذا الادعاء, حيث ان هنالك فاصل زمني كبير يصل الى آلاف السنين في ما بين آخر وجود للانسان الاول والظهور الفجائي لاول الحضارات على الارض (حضاره ما بين النهرين - سومر ) والذي تعزى الى الانسان الحديث (بني آدم), أذا لا بد من ان هذان النوعان من البشر كانا مختلفين وان اشتركا بنفس الصفات التشريحيه واختلفا جذريا في القدره الفكريه والابداعيه والجينيه.
فالبشر ممثلين بما يسمى بانسان " نيندرتال" (الانسان العاقل) هم خلق آخر غير الانسان ممثلا بسيدنا آدم, لان الله سبحانه وتعالى اشار الى ان خلق البشر (الانسان العاقل) كان تطورا من الماء كباقي الكائنات الحيه بفروعها المختلفه, كما في قوله سبحانه وتعالى " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الۡمَاء بَشَرًا" ولم تأتي لفظه "بشر" في السياق القرآني مقرونه "بالطين" أو "التراب" عند الاشاره الى خلق البشر الا في ايه واحده وكما جاء في قوله سبحانه وتعالى " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ" (اشاره الى سيدنا آدم), اذ تبين لنا هذه الايه الكريمه ان "البشر" (ما قبل آدم) كانوا خلقا مألوفا عند الملائكه بدليل اشاره الله سبحانه وتعالى اليهم بكلمه بشر " إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ " والجديد الذي لم يكن مألوفا عند الملائكه هو خلق هذا البشر من طين, خلافا لما كان عليه اساس خلقه السابق تطورا خلقا من بعد خلق من الماء وفي الماء ضمن منظومه سائر الخلق من نبات وحيوان.
وبهذا اقتضت المشيئه الآلهيه بخلق سيدنا آدم من الطين خلافا لخلق الانسان العاقل الذي خلق من الماء, والذي كان محدود القدرات العقليه والفكريه والجينيه والتي كانت لا تؤهله لحمل الامانه والتعلم "وعلم آدم الاسماء كلها", وهنا قد يتسائل البعض, بما ان الله جلت قدرته قد خلق من الماء بشرا عاقلا ممثلا بانسان " نيندرتال" (الانسان العاقل) فلماذا لم يمنح الله تعالى هذا المخلوق قدرات آدم العقليه والجينيه خلال تطوره خلقا من بعد خلق , وبذلك لن تكون هنلك حاجه لخلق آدم امتدادا لهذا المخلوق؟ , للاجابه على هذا التسائل, فلقد خُلق البشر (الانسان العاقل) كفرع من افرع منظومه الخلق التي ابتدأت من الماء والتي تطور منها كافه الخلق من نباتات وحيوانات وحشرات وثديات ...وما الى ذلك, وطبقا لسنه الله سبحانه وتعالى التي استنها في خلقه, خلقا من بعد خلق , وفي حدود ما اوحى الله سبحانه وتعالى به لتلك الماده التي ابتدأ عندها الخلق في الماء خلال فتره خلق اقوات الارض من آليات للخلق ومنها توريث كل مخلوق جيناته التي تعطيه خصوصيته وتميزه عن باقي المخلوقات عند كل تطور, لينتقل هذا المخلوق من صوره الى صوره أخرى " ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ " من صور الخلق, ولكون ان اصل هذه المورثات اصل مشترك لجميع انواع المخلوقات والكائنات الحيه بما فيها الانسان العاقل ,ولمحدوديه فعل نتاج هذه المورثات. ((الحمض النووي (دنا) ) عند الاصل (بدائيات النوى) لتنحصر في ما اوحى الله اليها وحدده لها من قوانين واسس , فمن المنطق والعقل ان تكون نتاج الجينات عند البشر المخلوق امتداد لهذا الاصل, تعكس محدوديه الفعل عند هذا المخلوق والناتج عن عن محدوديه الفعل لدى الاصل الذي ورث عنه البشر تلك الجينات منه, ورغما عن ان هذا البشر (الانسان العاقل) قد اكتسب فسيولوجيا جسما واعضاء تشابه الى حد كبير (99.5%) "الانسان البشر" (بني آدم) تبعا لهذه الجينات الموروثه عن الاصل, الا ان هذا المخلوق لم تؤهله تلك الجينات الى ان يكون مبدعا او قادرا على تطوير ملكته الفكريه او العقليه لانتفاء هذا الامر عند جيناته, وهذا الامر ينطبق على مجمل الكائنات التي تطورت خلقا من بعد خلق مواكبه لتطور الخلق عند الانسان العاقل, فالحصان مثلا اكتسب عن الاصل وعند مرحله ما من مراحل تطور خلقه, جيناته الخاصه به, والتي ميزته عن طبيعه باقي الخلق في شكله ووظيفته وحدوده العقليه رغما عن تشابهه مع اغلب فصيل الخيليات من الحيوانات كالخيول والحمير وحمير الزرد...وما الى ذلك من حيوانات رتبة "وتريات الأصابع", في آليه عمل اعضاءه وتركيبه الفسيولوجي وهو ما يشهد بوحدانيه الخالق عز وجل وليس انتقاء او اصطفاء كما يدعي دارون.
لقد كان خلق سيدنا آدم من طين الارض امتدادا جينيا للبشر المخلوق من الماء (الانسان العاقل) وكما اكده سبحانه وتعالى بقوله " وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ" (الانعام: ايه 133), فقوله سبحانه وتعالى " كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين"، يبين لنا ان انشاء بني آدم (بمعنى: أوجد, اسس, خلق, بنا...معجم المعاني) كان من ذريه قوم آخرين ليسو من بني آدم اي انه سبحانه أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم وهو ما بينه الحديث الشريف المعجز « إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك ». , فالاثر الجيني للانسان العاقل كان في تراب الارض وفي اصقاع شتى من الارض حيث تواجد وعاش هذا الانسان البشر المخلوق من الماء ومن هذا التراب خُلق سيدنا آدم عليه السلام , فهذه القبضه من تراب الارض هي التي حملت الاثر الجيني للانسان العاقل والتي خلق منها سبحانه وتعالى آدم عليه السلام امتدادا للبشر المخلوق من الماء (الانسان الاول) "كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ", حيث انه من المعلوم والثابت علميا ان البصمه الوراثيه للميت تبقى في رفاته الى آلاف السنين وجزأ من هذا الرفات يبقى الى ما شاء الله وهو" عجب الذنب " الذي منه خلق ورُكب آدم عليه السلام ومنه سيعاد خلقه يوم القيامه.
" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج: 46]
"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ"
[ النجم: آيه 3-5]
هل للقلب عقل
مواضيع ذات صله
موقع د. مهندس مأمون عبد القادر شاهين الاعجاز القرآني برؤيا علمية متجدده

Email: mshahin@digimeters.com
الماده العلميه في هذا الموقع هي جزأ من مقالات وكتب «د. مهندس مامون شاهين» المنشوره , لا يسمح بالاقتباس او النشر لاي من المواد او المقالات جزئيا او كليا دون ان ينسب المقال الى «د. مهندس مامون شاهين» - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص
Last Update: April 2018
© 2012-2017 by Mamoun A. Shahin. Proudly created with Wix.com