top of page

ان اغلب التفسيرات لهذه القضيه كانت تنهج منهجا فقهيا اكثر من أن  تكون علميه المنهج, وكان يغلب عليها التطويل (قرأت عشره صفحات لاحد التفسيرات المنشوره  دون ان يصل كاتبها الى تفسير مقنع) والاستشهاد برأي السلف رضوان الله عليهم, أي انهم في الواقع قد تقوقعوا في قالب متكرر دون ان يعلموا انهم يخاطبون عقول مختلفه الادراك والنيات  واغلبها ملحد (عند علماء الغرب) تتلهف لفهم الحقيقه او ضحضها وباقصر الطرق, لذا ففي رأيي المتواضع فان اقصر الطرق للوصول الى الحقيقه هو حسن الاستقراء الذي يؤدي الى صحه الاستنتاج, فكما بينت سابقا بالنسبه الى هذه القضيه فان تفسير خلق السماوات والارض في سته ايام يتمثل فيما يلي: 

 

لقد كان هنالك لبس عند البعض في فهم مده اليومين الخاصين بخلق السموات والارض تبعا للسياق القرآني, وفسروا قول الله سبحانه وتعالى" قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ "  [فصلت: 9-10]  بان خلق الارض وتقدير اقواتها كان في سته ايام , وخلق السماوات في يومين وبذلك يكون اجمالي فتره الخلق هي ثمانيه ايام وهذا تفسير فيه شيء من الخطأ , حيث اننا نلاحظ ان سياق الايات الكريمه يشير الى حدثين هما "الخلق" و "التَقْدِيرٌ" (*).

خلق السموات والارض في سته ايام

(*)     معنى قدر- قَدَّرَ :  قَدَّرَ قُوَّتَهُ وَاسْتِعْدَادَهُ " : حَدَّدَهَا وَوَزَنَهَا بِمِقْدَارِهَا . قَدَّرَ ثَمَنَ البِضَاعَةِ " : خَمَّنَ ، قَوَّمَ . يُقَدِّرُ عَمَلَهُ " : يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الاعْتِبَارِ . " قَدَّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ ". قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَصَائِبَ " : حَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ . قَدَرَ الشَّيْءَ " : بَيَّنَ مِقْدَارَهُ. هُوَ قَدَرٌ لاَ مَفَرَّ مِنْهُ " : مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ القَضَاءِ . " هَذَا قَدَرُهُ " " شَاءتِ الأَقْدَارُ ذَلِكَ " " القَضَاءُ وَالقَدَرُ ". (المعجم: الغني)

(**)            قرأت لاحد الباحثين الذين قاموا بتفسير هذه الآيات قوله " أن من قال بتقديم خلق السماوات على الارض, قول مجانب للصواب, ومعارض لصريح النصوص القرآنيه",  فقوله هذا هو ما يعكس الاساءه الى الاسلام وتحميل النصوص القرآنيه غير ما هي عليه, الم تعلم يا أخي اثابك الله ان الله سبحانه وتعالى قد قدم السماوات على لفظ الارض في مجمل السياق القرآني ليرشدنا الى دلاله سبق خلق السماوات لخلق الارض, وطبقا لما شرحته في دراستك عند التحدث عن خلق الكون , حيث قلت ان خلق الكون تم بعد الانفجار العظيم, فهل تعلم ان بعد هذا الانفجار ولمليارات السنين لم يكن هنالك ارض بل كان هنالك فضاء الحدث ممثلا للسماء الاولى التي خلقت فيها ومن خلالها  لبنات الكون بما فيها الارض.   

(***)        معنى "قضى" في اللغه:   قَضَى اللَّهُ " : أَمَرَ , أنفذ. "قضى الشيء" : قدَّره ، صنعه ، أكمله. قضَى إليه الأمرَ : أبلغه إيّاه. قضى أجلاً: كتب و قدّر زمانًا مُعيّنا للموت. قضى أمرًا: أراد شيئا أو أحكمه أو حتّمه

(****)        معنى قدّر في اللغه: قَدّرَ الشيءَ بالشيء : قاسه به وجعله على مقداره . قَدّرَ اللهُ الأمرَ عليه ، وله : جعله له وحكم به عليه . قدر الشيء : دبره . قدر وقدر . مقدار الشيء :حَدَّدَهَا وَوَزَنَهَا بِمِقْدَارِهَا.    

(+)   المقصود هنا بجهوزيه الارض للعيش, هو قابليتها لعيش خلقه تعالى من الجن اولا ومن ثم آدم ونسله لاحقا كمستخلف لها وعليها, وهذا لايعني ان استخلاف آدم عليه السلام للارض قد تم عند اكتمال خلقها او اكتمال تقدير ارزاقها , فمن الواضح ان خلق آدم عليه السلام قد تم بعد خلق الجان كما بينته الآيات الكريمه في السياق القرآني, وهذا يعني ان الاستخلاف قد حصل بعد ما كان هذا الجان متسيدا على الارض ويعيش فيها, والله تعالى اعلم واهدى.

  1. الحدث الاول "الخلق: وهو حدث خلق الارض (**)  والرواسي من فوقها أي من فوق الارض, والمعنى هنا لجمله "من فوقها"  يُحْمّل على شقين:

 

  • الشق الاول بان يكون مكان الرواسي على سطح الارض بمعنى الجبال كقوله تعالى: " أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا " [النبأ: آيه 6-7], وقوله سبحانه وتعالى: " وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ " [الحجر:ايه 19] او كقوله عز وجل: " وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " [النحل:ايه 15] , او كقوله سبحانه:  " وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا " [المرسلات:ايه 27].

 

  • والشق الثاني لمعنى "وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا" هو ان يكون المقصود بما فوق (علا) الارض اي سماء الارض وهو المعنى الصحيح, لان الملاحظ ان الله سبحانه وتعالى عندما يريد الاشاره الى الرواسي بمعنى الجبال يؤكدها صريحه بعد قول "جعلنا فيها أو القينا في..الارض"   ولم يرد في القرآن الكريم كلمه "رواسي" متبوعه بكلمه من "فوقها" الا في سياق هذه الايه الكريمه فقط ليرشدنا الله سبحانه وتعالى الى مدلول مكاني آخر يختلف عن المدلولات السابقه.

 

ولقد جاء نفس هذا المدلول في اماكن كثيره في القرآن الكريم كقوله سبحانه وتعالى" أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ " [النور:ايه 40], فالمقصود هنا بجمله "من فوقه " أي "ما علاه" , حيث أن الله سبحانه وتعالى قد وصف الاعمال السيئه للكافر بحال البحر العميق الذي يعلوه الموج من فوقه ويعلو الموج موج آخر من فوق الموج الاول ويعلو الجميع السحاب, طبقات من الظلمه يعلو بعضها بعضا.

 

ولما كانت سماء الارض (من فوقها) في حيزها الاصغر تشتمل على مجموعه اجرام من السماء الدنيا (كمجره درب اللبانه) والتي بمجملها اعطت المجموعه الشمسيه ومن ضمنها الارض الثبات والاستقرار (الرواسي) في حيزها الزمكاني نتيجه للتفاعل الثقالي بين مكوناتها, ولما كانت مجرتنا جزء من كل الكون المخلوق ومتفاعله معه,  وأن مجمل ما في الكون يوازن بعضه بعضا, فبهذا يكون المقصود باليومين كما جاء في الايه الكريمه " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ" هو اشاره الى التداخل الزمني والمكاني لخلق السموات والارض معا وهذا ما بينه سبحانه وتعالى عند قوله " فَقَضَاهُنَّ (***) سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [فصلت:ايه 12] , فالسماوات السبع في هذه الاية الكريمه تشتمل على السماء الدنيا بما فيها الارض, لكون الارض جزأ من هذه السموات وليست منفصله عنها, اي ان الارض كجزأ من السماوات وما فوقها من رواسي ممثله باجرام السماوات قد تم خلقها في يومين من الايام عند الله سبحانه,  وكان الهدف بذكر اليومين في بدايه نص الآيه الكريمه قبل ذكر الاربعه ايام هو تقريع وتذكير للكافرين بحقيقه خلق الارض كجزأ من كل... بدأً , وبفضل الله عليهم بخلق النعم واقوات خلقه فيها وعليها في اربعه ايام... لاحقا.

 

2.   الحدث الثاني "التقدير" ويقصد به ان الله سبحانه وتعالى اقتضت مشيئته بتقدير وتحديد ما سيكون على الارض من خلق وأرزاق والذي سيكون مسخر لمخلوقه من البشر (آدم) وغيرهم لاحقا,  بدأ من اكتمال خلق الارض ككوكب بكر جاهز لبدأ خلق ما فيه من اقوات وحتى الوقت الذي حمل فيه الانسان هذه الامانه كخليفه فيها وعليها كقوله سبحانه وتعالى" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ " [الحج:ايه 65], وكقوله تعالى" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الجاثيه:ايه 13].

 

ومفهوم الايه الكريمه  "وَقَدَّرَ (****) فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ" أي ان الارض قد اخذت من وقت اكتمال خلقها (كجزأ من السماوات في يومين) الى ان اصبحت جاهزه لاستقبال سيدنا آدم كخليفه (+) , 4 ايام من الايام عند الله سبحانه وتعالى وليست من ايام الارض لان زمن الارض عندما قدر الله سبحانه وتعالى تلك الاقوات, لم يكن مستقرا كزمن الارض عند استخلاف آدم لها وعليها, لعدم انتظام سرعه دوران الارض حول نفسها وحول الشمس خلال فتره نشوءها.

 

لذا كان خلق الارض واتيانها طائعه لامره سبحانه لكي تكون جاهزه لبدأ خلق الاقوات عليها , كان جزأ من خلق السموات ككل مصداقا لقوله عز وجل:  " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ*فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ "  [ فصلت: آيه 11-12] ومن ثم تدخلت العنايه الالهيه في تقدير اقوات الارض هذه والذي استغرق اكتماله طبقا للمشيئه الالهيه اربعه ايام من الايام عند الله سبحانه وتعالى حتى اصبحت الارض مكتمله الزينه وصالحه لاستقبال سيدنا آدم كخليفه وكما اراد لها الله عز وجل إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا  " [الكهف:ايه 7] وبذلك فان خلق الارض كان قبل خلق الاقوات فيها وعليها وكان جزأ لا يتجزأ من خلق الكون ككل.

 

 

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ*

" قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ "  [فصلت: 9-10]

مواضيع ذات صله

موقع د. مهندس مأمون عبد القادر شاهين  الاعجاز القرآني برؤيا علمية متجدده

الماده العلميه في هذا الموقع هي جزأ من مقالات وكتب «د. مهندس مامون شاهين» المنشوره , لا يسمح بالاقتباس او النشر لاي من المواد او المقالات جزئيا او كليا دون ان  ينسب المقال الى «د. مهندس مامون شاهين» - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص

Last Update: April 2018

© 2012-2017 by Mamoun A. Shahin. Proudly created with Wix.com

  • Wix Facebook page
  • Wix Twitter page
  • Wix Google+ page
الرد على شبهات اهل الكتاب
الطعن في كرويه الارض في القران
قضايا فقهيه
الابتلاء والعقوبه الدنيويه
bottom of page